السلطة الفلسطينية بين تواضع التمثيل ومحدودية البدائل
مقالي في جريدة رأي اليوم وموقعي (اخبار الاردن ، احداث اليوم -الصورة منقولة )
منذ الاتفاق على إنشاء السلطة ومؤسساتها بعيد اتفاق أوسلو، بدأت
مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية تتراجع ؛ حتـى أنه لم يكن واضحاً إن كانت السلطة
قد حلَّت محل منظمة التحرير أم أنها جزء من المنظمة ، أو أنَّ دورها سيقتصر فقط
على تسيير الحياة اليومية للفلسطينيين ضمن الأراضي التي اغتصبت في حرب حزيران ؟.
وتزامن ظهور السلطة مع علو بعض الأصوات داخل
المنظمة سعت لفك الارتباط بين فتح و بقية التنظيمات التي لم تعد مقبولة من قبل
المجتمع الدولي لانَّ الإقليم لم يعد قادراً على تحمل تبعات قرارات تلك الفصائل خاصة بعد أن فقدت تلك التنظيمات الظهير
الأيديولوجي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ومجمل الكتلة الشرقية.
إن التمثيل الشامل والحقيقي للشعب الفلسطيني بمختلف أطيافه وعلى
جغرافيا تواجده كان ولا زال مطلباً تاريخياً يتجدد مع تفاقم التحديات التي تُهدد
كيانه وإرثه وحقوقه المشروعة والاعتراف بمعاناته التي بقيت وصمة عار في جبين
العدالة الدولية.
من المستحيل بمكان الفصل بين القضية الفلسطينية ببعدها الديني والقومي
وحتى الاقليمي وبين معالم التحالفات التي تتشكل حالياً في العالم بفضائه الشامل أو
الإقليمي وتغيرها من حين لآخر ، ولا شك بأنَّ أكثر ما أضر بالقضية الفلسطينية هو
الانخراط المباشر أو غير المباشر من قبل الفصائل الفلسطينية في مشاريع دولية أو اقليمية وصلت لحد التدخل في
شؤون الدول المجاورة ومحاولة تغيير سياساتها عن طريق الدعم المباشر أو غير المباشر
لبعض مكونات المجتمعات ضد غيرها أو بمعنى أدق التدخل في شؤون الدول الداخلية والتي
على الأغلب تستضيف الفلسطينيين على أراضيها تحت مُسميّات مختلفة مما أثر سلباً على
أمن الفلسطينيين في مخيمات اللجوء ودرجة الترحيب
بهم لحين حل قضيتهم.
لا يخفى على أحد أن المفاوضات الأمريكية الإسرائيلية مع الطرف
الفلسطيني مرت بمراحل وانتكاسات عديدة مما سبَّب الإحباط للشعب الفلسطيني بل لكلِّ
الشارع العربي ولكن لا يجب أن ننسى أنَّ تلك المفاوضات لم
تكن لتتم لولا الاعتراف الضمني بالحق
الفلسطيني ولولا ادراك حكومة الاحتلال والإدارة الاميركية لضرورة إيجاد حل شامل
وليس بالضرورة عادل للطرف الفلسطيني لأنَّ استمرار الصراع يحرج الإدارة الأمريكية
ويقلل فرص نجاح أي مشروع أو ترتيبات تسعى لها في الشرق الاوسط .
السلطة الوطنية الفلسطينية بكينونتها الحالية لا تمتلك أدوات الضغط أو
القوة التي تجبر الطرف الآخر سواء حكومة الاحتلال أو الإدارة الامريكية - بغض
النظر عن من يسكن بيتها الأبيض- على القبول بالحل الذي يحقق للفلسطينيين تطلعاتهم المشروعة ؛ كما لم تعد هناك مؤسسات
دولية (كالجامعة العربية أو منظمة التعاون الإسلامي ... الخ) تضع قضيتهم في مقدمة أولوياتها
سياسياً أومالياً ومن أجل هذا لا بدَّ للعقلاء في السلطة وبقية الفصائل الوطنية
الرجوع مجدداً للشعب الفلسطيني ، وإحياء المجلس الوطني الفلسطيني وتطويره تزامناً
مع بقية المؤسسات التي تضمن التمثيل الشامل والحقيقي لكل أطياف الشعب ، والعمل على
إيجاد خطة انقاذ شاملة متعددة الآليات والمراحل حتى تعيد خيارات الشعب الفلسطيني
إلى مسارها وغايتها الاصلية ؛ والتي تتلخص بإقامة دولة فلسطينية تحفظ حق اللاجئين
الفلسطينيين في لبنان وسوريا وكل جغرافيا تواجدهم ؛ وتهبهم حق المواطنة والتمثيل
في المؤسسات الفلسطينية اسوة بمواطني غزة والضفة. من المعيب حقاً حصر انجازات
السلطة في إجراءات بيروقراطية بحتة كتأمين رواتب موظفيها وأموال الجمارك وأن يكون
هم المفاوض الفلسطيني الأوحد هو فقط ضمان المعاشات الشهرية ، ومن المؤسف تجاهل
معاناة الملايين من الشعب الفلسطيني فقط للمحافظة على مؤسسات بُنيت وتضخمت من أجل
شراء الولاءات والمحاصصة.
كما أن استمرار الانقسام بين السلطة وحماس يُعمق بشدّة من مشكلة الشعب
الفلسطيني وكلاهما لم يدرك بعد أن النهج المتّبع يقزم من قدرات شعب جبار في نظر
العدو قبل الصديق ، ويَحرف القضية عن جوهرها وهو زوال الاحتلال ، فالسلطة همها
الضفة والمعونات الدولية وحماس تختصر القضية بالمعابر وتوفير متطلبات قطاع غزة ؛
رغم أهمية هذه الامور إلا أنَّ تأمينها قد يعفي المحتل من مسؤوليته القانونية تجاه الشعب
الذي يحتله.
إن لم يدرك صانعو القرار في السلطة وغزة حجم المخطط الإلغائي الذي
تتجه اليه القاطرة الإسرائيلية سيجدون أنفسهم قريباَّ قسماَّ ملحقاًّ في وزارة
البلديات الإسرائيلية ضمن نظام فصل عنصري يفوق نظام الأبارتايد بوحشيته وهمجيته.
من المستحيل عودة المفاوضات دون
الاستناد إلى مفاوضات كامب ديفيد والتي حملت لاحقاً اسم كلينتون باراميتر ـ علماً
أنها غير مقبولة من الجانب الفلسطيني ــ دون إعطاء المفاوض الفلسطيني تفويضاً من كل
أطياف الشعب الفلسطيني وهذا التفويض لا يتحقق بالمصالحة وانهاء الانقسام فقط بل
بحشد كل امكانيات الشعب الفلسطيني وطاقاته للخروج بخارطة طريق توقف القاطرة
الإسرائيلية التي نجحت سياسياً في شيطنة صانع القرار الفلسطيني والشعب الفلسطيني
بمجمله ، وابتزاز بعض الحكومات للتخلي عن الدعم غير المشروط للمفاوض الفلسطيني ؛
فالشعب يمتلك من الكفاءات الفكرية والإمكانيات البشرية التي إن سُخِرت مع ما
يمتلكه من الدعم الشعبي العالمي والعربي لاستطاع إعطاء زخم جديد للقضية وإعادة
الامور إلى نصابها .
ويجب أن تكون هذه الخارطة قادرة على
ترميم العلاقات مع مراكز صنع القرار في العالم العربي والدولي
، ويكفي أن نُذَّكر صانع القرار الفلسطيني الذي يحرص على بقاء الوضع القائم
والمراهنة على المستقبل وحدوث المعجزات بعد انتهاء الوحي بأول وأخر بيت من قصيدة
الشاعر الخالد إبراهيم طوقان:
أنتم المخلصون للوطنيَّةْ أنتمُ الحاملون عبءَ القضيَّة
في يدينا بقيَّةٌ من بلادٍ فاستريحوا كيلا تطير البقيَّةْ

تعليقات
إرسال تعليق