التخطي إلى المحتوى الرئيسي

سي السيد و معركة ميلانو

نتيجة بحث الصور عن كاريكاتير عمل المراة


سي السيد و معركة ميلانو
مقالي في موقعي اخبار الاردن واحداث اليوم - الصورة منقولة 
عذرا، فقبل البدء وكي لا أُتَّهم بالتحامل ،  أنا لا أتكلم عن كل الرجال ولكن أقصد شريحة معينة إسترعت إهتمامي و إستفزت قيم الشرقي  فكان لا بد لي من الإشارة إليها من باب الحرص لا النقد.
لاشك بأنَّ الثقافة المجتمعية والمعيشية تتغير مع متطلبات العصر، لكن لكل أُمَّة عادات ومبادئ يجب أن لا تُهدم بمعول الحداثة ولا تُداس بحذاء من يدًّعي محاربة التخلف.
 أثناء معركة الفجر بين النور وأخر بُقع الظلام في شارع (كورسو بينس آيرس) في مدينة (ميلانو) ، رأيت إمرأة إفرنجية في العقد الرابع من عمرها  تخوض معركة طاحنة غير معركة النور والظلام بل معركة لقمة العيش  كموظفه فها هي بدأت عملها بمعالجة  إنسداد (منهل) للصرف الصحي ، ولا أعلم لماذا تذكرت وأنا أنظر بدهشة إليها  رائعة الكاتب المبدع  نجيب محفوظ  بين القصرين .





 وأعتقد جازما أن أغلب الرجال الذين شاهدوا أو تصفحوا رواية نجيب محفوظ الشهيرة  ، أُعجبوا بشخصية سي السيد و أَرضى غرورهم السطوة التي  إمتلكها  أحمد عبد الجواد  في بيته  ومدى خوف زوجته أمينة من جبروته.
وقد إقتدى بعض رجال  مجتمعاتنا  بشخصية  سي السيد  وأحبوا أن يتقمصوها مع إضافة لمستهم الخاصة ؛ فعلى سبيل المثال لا الحصر يُفترض بأمينة أن تكون صاحبة وظيفة ثابتة وراتب شهري لا يقل عن الحد الأدنى للأجور، كما يجب عليها أن  تستيقظ باكرا و ترتدي ثياب العمل  بحذر كي لا تتناولها ألسنة الجيران أو زملاء العمل وربَّما كلاب الطريق , كما يجب أن تُجَّهز ما يلزم أطفالها للمدرسة  وتهرع إلى وظيفتها تسابق ساعة مراقبة الدوام.
 وظهرا يُفترض أن تعود أمينة مسرعة لتحضير الطعام  حتى لا يذهب سي السيد شاكيا لأمه  أو أن  يخاصمها طوال اليوم , وبعدها حملة النظافة اليومية التي تتضمن جلي الأواني والغسيل وأخيرا وليس أخرا  تدريس الأبناء ، فسي السيد مشغول عنهم بمشاهدة ريال مدريد وبرشا أو بعض فيديوهات اليوتيوب عن معارك العرب الخالدة وربما مسابقة ملكة جمال لبنان متضمنة آخر صيحات الازياء المحتشمة برعاية هيفا.

 حتى الآن يبقى الأمر نوعا ما مقبولا على مبدأ  (ظل راجل ولا ظل حيطة)  لكن  الأدهى أنَّ سي السيد   وافق  أخيرا أن يتنازل عن جلسة غسل أرجله المقدسة بالماء المالح  مقابل  أن تستكمل  أمينة إجراءات القرض لا من أجل علاج أحد الأبناء من مرض عضال ولا حتى  لشراء بيت  للتخلص من  تبعات  الإيجار بل  وصل الأمر بالبعض  أن يرضى بتكبيل أم العيال بالكمبيالات والشيكات كي يستبدل سي السيد  الحنطور  بسيارة المرسيدس (فل اوبشن)  نعم والله و تالله وبالله يحدث هذا .
وسي السيد لا  يكترث أن  تتعرض  أمينة  - عند تعثر موارد الأسرة المالية - للمطاردة من الجهة  الدائنة التي إستنفذت خيارات السداد فلجأت الى القضاء ، ليُدرَج إسم أمينة في سجل النصابين وأصحاب الجرائم بمختلف أنواعها.
لقد أصبحت بعض النساء العاملات تخوض معاركاً لا تقل ضراوة عن معركة  فتاة ميلانو و مجاري الصرف الصحي بل  أكثر تعقيداً , وغدت  تتحسر على حياة الجدَّات الهانئة وتتمنى لو أنَّها تعود أمينة الأصلية مطمئنة في منزلها الدافئ   ولا تشغل بالها بالأقساط والقروض وأعباء الماء والكهرباء



والانترنت المسخر للمحروس (فخر والدته) ليتبادل نكاته وعديد مجموعات (الواتسب) لتلافي تذمره من سوء الحظ والطالع الذي لازمه منذ عقد قرانهما .
جوهر الرجولة والأخلاق  أن يرحم بعض الإتكاليين مهما كانت صفتهم المرأة العاملة ، فهي ليست المرأة الخارقة أو المارد السحري الذي أخرجوه من قمقم العنوسة ، بل يحترموا تضحياتها وتحملها عبء الأحوال الإقتصادية الصعبة  يداً بيد مع الرجل بالتزامن مع قيامها بأعباء البيت وتربية الأبناء لا أن يضيفوا لها هموماً ينوء تحت ثقلها الرجال أولي البأس الشديد .
لا شك أن المجتمع يشهد تغيرات جذرية بسبب إزدياد عدد النساء العاملات والتراجع النسبي لدور الرجل، ولكن هل هذه التغييرات لصالح المرأة و الأسرة ؟ سؤال يستحق أن نقف عنده بإهتمام وأن نطرحه على أمهاتنا وأخواتنا  وبناتنا.
يقول البعض ان المرأة أصبحت قادرة على إعالة نفسها        ولكن هل هي فعلا كذلك أم أنَّ بعضهن غدون  ضحية لنوعٍ جديد من الإستعباد دون طرح  إسمه  المؤنث  ؟




 هل كما يقال  نعيش عصر حقوق المرأة  أم عصر العقول المريضة  صاحبة نظريه إن هتف الرجل (وازواجاه) تتزاحم   جموع النساء لخطبته ؟
نعم  لتتعلم  المرأة وتعمل وتساند زوجها إذا عانى ماديا   ونتركها تهز سرير  طفلها  بيمينها ولا نضع الأغلال  في يسارها من أجل  شراء هاتف ذكي أو سيارة فارهة , ولا نتركها وحدها  تنتصر على كل أنواع  المجاري في شوارعنا   دعونا نهمس في  أذنها نحن لا نقيدك  انت سيدتي أعلى شأنا وأرفع منزلة من  فتاة ميلانو ودعي عنك للرجال درع وسلاح معاركها اللذين تخضبا  بدماء الاعداء .

 
  

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الرأي العام

صناعة الرأي العام مقالي في موقعي اخبار الاردن واحداث اليوم - الصورة منقولة  لا يكاد يخلو مقال أ و إحصائية من كلمة الرأي العام فقد صارت مصطلحاً   يُستخدم لإثبات صواب قول ما   وسلاحاً   يهدد به   بعض الساسة أو المؤسسات ويستعينون   به   لشرعنة قانون أو توجه جديد وحتى لأجل   إجراء تصحيح يجدون   فيه علاجاً لبعض المستجدات التي طرأت على المجتمعات والدول . الرأي العام له مرجعياته وأسسه التي تتخذ منها الجماعات والشعوب ميزاناً لقبول أو رفض ما يطرأ وقد تكون هذه المرجعيات شرائع سماوية أ و دساتير , وأحيانا تكون ثقتها بالفرد كالسياسي أ و رجل الدين أ و أصحاب ال إ ختصاص كالأطباء والمهندسين والعلماء   فيكون رأي هؤلاء   الفيصل في صناعة الرأي العام .   الفرد فطريا يُكّون رأيه الخاص ؛ لكن رأيه يخضع   للتغيير والتعديل عند تواصله   مع الجماعات   فُيطرح   رأيه   للمقارنة   مع حجج وبراهين وإعتبارات يُؤمن بها الآخرون , وبعد هذا التواصل إما أن يزداد تمسكه برأيه فتتعزز ثقته بالتوافق الجمعي أ و يتخذ موقفاً ج...