الأسطورة مرآة العجز
ثمة علاقة وطيدة بين الأسطورة والتاريخ كونهما ينقلان أخبار الأقدمين
ويضخمانها فالشغف بالتاريخ هو تجسيد لبحث البشر عن القوى الخارقة , التاريخ أوجد الأسطورة كما الكيمياء
أوجدت السحر ( الأسطورة سبقت
التاريخ كما السحر سبق الكيمياء) منذ بداية الخليقة والإنسان يحاول أن يفهم ويعطي
معنى لكل الأحداث التي تجري من حوله ونظرا
لمحدودية العقل و إقتصاره على الحواس والكيانات المدركة كالجبال
والنار والنجوم والماء والريح والأشجار فقد جنح خياله لما خلف حواسه ممَّا جعله يخترع الأساطير والحكايات للإجابة عن التساؤلات التي
تراوده . إستخدم الإنسان الأسطورة لشرح نشأة الكون وخلق
الإنسان ولتفسير الظواهر الطبيعية كالعواصف والفيضانات وغيرها , ولم يلتزم البشر بالقاعدة الذهبية التي تقول : ( العجز عن الإدراك إدراك ) , فكانت الأسطورة
باكورة التضليل الإعلامي
المتواتر من جيل إلى جيل .
تشكلت
الأساطير من رحم الخيال والخرافة ومن قناعة
البشر بأن
أسلافهم تميزوا بالقدرات والأخلاق الحميدة , وكون الذاكرة الإنسانية محدودة فقد رمم الإنسان
النقص عن الماضي بالأسطورة ، لذلك ظهرت أساطير الخلق
بإعتبارها
إجابات عن الأسئلة المتعلقة ببدايات الإنسان والكون
من حوله , وحينما نشأت التقنيات
العلمية الحديثة القادرة على فرز المعطيات وإستنباط الحقائق من الزمان الماضي وفهم
الدوافع والأسباب بدأ علم التاريخ
يتحرر من أثر الأساطير
ولكنه لم يتخلص منها تماما.
تتميز الأساطير أيضا بأنها مقدسة ومعظم شخوصها هم من الإلهة أو أنصاف الإلهة ، فمثلا
ملحمة الإلياذة التي يروي فيها
هوميروس قصة مدينة طروادة تشير وتٌلمح إلى الكثير من الأساطير اليونانية حيث تتصارع
فيها الإلهة مع البشر وتتمحور موضوعاتها
حول البطولة التي تجيب عن معنى الحياة والموت.
ولكن الأسطورة كانت أيضا وسيلة للبعض للإرتقاء بالمجتمع والوصول إلى القمة والتميز،
فالكثير من الحضارات روت أساطير لسير وبطولات أسلافها بشكل
يتناقض مع المعلومات والوثائق التاريخية
الموثقة , فالأتراك
مثلا مجدوا أبا قبائلهم لتوحيد القبائل التركية وقت الحرب وكذلك
فعل الفرنسيون مع نابليون حيث أصبح
بنظرهم بطلاً قومياً تأثرت به أجيالا عديدة لدرجة انه أصبح مادة للعديد من
الروايات التاريخية ، والإنجليز مجدوا ريتشارد قلب
الأسد , أما العرب فحدث ولا حرج فلقد
صاغوا الأساطير عن سير عنترة وأبو زيد الهلالي والزير سالم .
يكمن خطر الأسطورة أنها تستوطن أذهان العديد من
الناس وتحصر إهتمامات البشر ضمن حدود الخرافة لدرجة
أن حياتهم تتوقف ويصبح تعاطيهم مع
المجتمع تجسيدا لسير حياة أبطال الأساطير التي أمنوا بها فتغدو حياتهم فنتازيا درامية .
أما الأخطر من هذا فهو أسلوب
التعاطي مع الدين ورجال الدين فرغم أن
الأديان أعطت العصمة
فقط للأنبياء ولم تمنح القدرة على صنع المعجزات لأحد سواهم إلا أن بعض البشر إستغل النقص في معرفة البشر لدينهم وحوَّل بعض
رجال الدين إلى أشخاص فوق الطبيعة ووهبهم
قوى خارقة بل منحهم أيضا نفحات قدسية لم
يمتلكها الأنبياء في سيرهم العطرة .
تطورت الأساطير في زمننا الحاضر وسكنت العقول لتشمل الأجداد وقدراتهم الخارقة فلجأ إليها البعض ليضفوا على ذاتهم هالة من القدسية و ليكسبوا
أنفسهم الرفعة عن بني جلدتهم من خلال الإدعاء بأنهم
يحملون جينات خارقة , كون أجدادهم كانوا أبطالا خارقين ملكوا مزارع تكساس وأموال قارون وهزموا جيشا
عرمرما بلا سلاح وعصروا زيت الزيتون بين أصابعهم
و حملوا صخر الأهرامات. بعض الأشخاص
ينقمون على الحاضر لأنه لم ينصف نسبهم
ولكنهم لم يبذلوا جهدا ليغيروا
واقعهم أو على الأقل ليستحقوا شرف
الإنتساب لأسلافهم
موضع فخرهم , وكلي يقين لو أن أسلافهم عاصروهم
لعصروهم ليس بين أصابعهم بل في معاصر الزيتون الحجرية ,
يبقي أن نذكر هؤلاء بقول الإمام
علي رضي الله عنه .
كُن اِبنَ مَن شِئتَ واِكتَسِب أَدَباً يُغنيكَ مَحمُودُهُ عَنِ
النَسَبِ
فَلَيسَ يُغني الحَسيبُ نِسبَتَهُ بِلا لِسانٍ لَهُ وَلا
أَدَبِ
إِنَّ الفَتى مَن يُقولُ ها أَنا ذا لَيسَ الفَتى مَن يُقولُ
كانَ أَبي
تعليقات
إرسال تعليق