الثورة الصناعية الرابعة
مقالي في موقعي اخبار الاردن واحداث اليوم - الصورة منقولة
أطلق رواد منتدى (دافوس) الإقتصادي مؤخرا على
المرحلة الحالية وما تشهده من تطور
متسارع في عالم الإتصالات وتكنولوجيا
النانو وإنترنت الأشياء الثورة الصناعية الرابعة ، ومن المعلوم أنَّ
الثورة الصناعية الأولى وُلدت مع إكتشاف الطاقة البخارية وبداية تَشكَل المجتمع
الصناعي المُعتمد على طاقة الفحم والطاقة البخارية وما تَبًعها من تطور في وسائل
المواصلات من قطارات وسيارات وغيرها. أما الثورة الصناعية الثانية فهي المرحلة
التي تَوَسع فيها استخدام النفط كأساس للطاقة بمختلف أنواعها و إنتشار الكهرباء
وظهور ما يسمى بال( mass production ) اي الإنتاج
الضخم .أما الثورة الصناعية الثالثة فبدأت مع إنتشار الإنترنت وشبكات الإتصالات
اللاسلكية.
الثورة
الصناعية الرابعة ستكون محور
مقالنا هذا، و قبل البدء بالتعريف بملامح هذه الثورة وما ستقدمه للبشرية وما
ستعززه من إنقسامات مجتمعية بين أفراد القوى العاملة وما ستمنحه للأفراد من خصوصية
وإستقلالية ؛ لابد من الحديث عن النظريات
المتًبعة لمعالجة الفجوة الحضارية بين المجتمعات ، فالبعض يصر على إستخدام التكنولوجيا
بوتيرة متأنية وبشكل تدريجي كي يتقن
أساسيات الحضارة والتقنيات الصناعية أو يفضل هذا الخيار كونه الأقل تكلفة والبعض الأخر
يصر على تجاوز المراحل دون الإكتراث
للمهارات الأساسية التي بُنيت عليها التقنيات الحديثة في شتَّى المجالات .
منذ إنتشار مصطلح العولمة أدرك الكثيرون أنَّ
العلم والتطور لا يحترمان إستقلالية
المجتمعات و خصوصيتها ، ولم يعد صاحب مهنة ما يقارن نفسه بمن يشاركه هذه المهنة في بلده بل بأصحاب هذه
المهن في كامل المعمورة . لقد ظهرت مهن
جديدة و إختفت أخرى، وأصبح الإنفتاح
ضرورياً ومطلوباً ،أما البعض الذي يعشق
التقوقع على الذات و يعتبر التكنولوجيا حكراً على الأغنياء وصفوة المجتمع
فهو كًمَن ظنَّ قديماً أن الحصان سيبقى وتختفي السيارة .
يعلم الكثيرون منَّا أنَّ الربوت أصبح
أمرا ًواقعاً لا بدَّ منه في
الصناعة والطب. فالمهن التي تتطلب دقة
فائقة أو أعمالاً تكرارية سوف تُعطى للربوت لأنه أقل تكلفة وأكثر دقة و إنتاجية ، فالربوت
الذي يقوم بالأعمال التكرارية ، لا يحتاج إلا لبرنامج يُلخص أبعاد وزوايا و عدد
مرات التكرار كي يقوم بأعقد الأعمال التي لا تتطلب مهارة تقنية بل جهداً فيزيائياً قد يؤثر على من يمتهنها من
البشر على المدى البعيد. أما الأعمال الفائقة المهارة فهي تحتاج الى كائن
بشري متحكم يستعين بالربوت وإنترنت الأشياء للحصول على
حواسٍ خارقة تسمح له بالعمل عن بعد.
يستطيع المتحكم البشري نتيجة لهذا التطور التكنولوجي الهائل أن يغيب فيزيائياً عن موقع العمل بسبب البعد الجغرافي
أو خطورة مكان العمل وبهذا سيكون بإمكان
أي مريض أن يختار أي جراح من دولة نائية
كي يجري له عملية ما مستعيناً بثورة الإتصالات وإنترنت الأشياء.
إنَّ الثورة الصناعية الرابعة ستعزز
الفرز بين العامل الفائق المهارة والعامل
المعدوم المهارة وسينتج عن التوسع باستعمال الربوت إنقراض العديد من المهن ،
فجمعيات حقوق الإنسان مثلاً ستمنع إستخدام البشر قي الأماكن مرتفعة الحرارة أو على
الإرتفاعات العالية او ممارسة أي مهنة
تتطلب مجهوداً فيزيائياً قد يؤثر مستقبلاً
على صحة العمال مثل أعمال المناجم واللِحام وتشكيل المعادن.
أما تأثير الثورة الصناعية الرابعة على
النظام المالي فيمكن التنبؤ به من خلال ظهور العملات الرقمية , فمفهوم البنوك
الحالي وما إستحدثته من مهن عند ظهورها وأثناء تطورها سيختفي ومن المرجح أن تختفي
العملات الورقية برمتها وتصبح من الماضي , وهذا الأمر ليس من أفلام الخيال العلمي
بل واقع سنشهده خلال العقدين القادمين ، وستكون سلسلة الكتل أو قواعد البيانات
المتسلسلة ((Block Chain جوهر هذا
التحول .
كما أنَّ الحياة المنزلية و ملحقاتها ستتأثر
بهذه الثورة ، فسيكون لكل منزل
لوحة مبرمجة تمثل عقلاً يتمتع
بالذكاء الإصطناعي له القدرة عن طريق
مجموعه من المستشعرات الحركية و الخوارزميات الحاسوبية ، أن يحلل الأصوات و ويدرك
بصرياً الصور ثم يتخذ القرار بحيث يتحكم
لاسلكياً بالغسالة الذكية والفرن الذكي
وإنارة البيت وسيقتصر دورنا فقط في الحصول
على النتيجة النهائية عوضاً عن التحكم
يدوياً بأجهزتنا .
أما
ما سوف تُقدمه الثورة الصناعية الرابعة
لباقي القطاعات في المجتمع , فسيظهر
أثره في العقدين القادمين وسيفوق ما قدمته التكنولوجيا للبشرية منذ وجودها على الكوكب الأزرق ، فعلى سبيل المثال لا الحصر :
المواصلات ستُدار بشكل كامل من خلال إنترنت الأشياء فالقطارات والسيارات والحافلات
سوف تصبح ذاتية القيادة ، أما بالنسبة للصناعة فالدول التي تنتج التقنيات البرمجية واللوحات المبرمجة ستسيطر على القطاع الصناعي وهذا يشمل الصناعات العسكرية و الإتصالات ، مما سيزيد
من نمو إقتصاد هذه الدول ومحاولة إحتكارها
للتكنولوجيا رغم صعوبة هذا ألأمر - وما نشهده من صراع أمريكي صيني يؤشر الى صعوبة الإحتكار التقني عند توفر الكوادر المدربة - وهذا
الصراع سيكون على حساب الدول التي تعتمد
على تصدير المواد الخام والصناعات التحويلية المتواضعة , بحيث يتوقف مصنع
ضخم عن العمل عند حدوث أي خلل في برمجة
قطعة لا يتجاوز ثمنها بضعة سنتات لإنعدام
كادر البرمجة المتخصص أو تتوقف
شبكة الإتصالات في مدينة كبرى نتيجة إنعدام
الأمن السبراني.
و دوليا ، تعتبر ألمانيا البلد الرائد
والجندي المجهول وراء تطور هذه التقنيات و هنا يجب مناشدة القائمين على مؤسسات التعليم العالي في بلدنا بالسعي الجاد والتخطيط لتوفير
الخبرات اللازمة لتسهيل دخول مجتمعنا الى عصر
الثورة الصناعية الرابعة دون
الحاجة لدفع ثمن باهظ يفوق ما ندفعه حالياً
بسبب الفجوة الحضارية المتنامية ، ويجب
على الحكومة التحول سريعا الى إنشاء مدن جديدة
تستوعب البنية التحتية فيها التحولات الجذرية في النشاطات الإقتصادية المختلفة التي ستقتحم
عالمنا دون إستئذان .
تعليقات
إرسال تعليق