إيران بين مشروعها الإقليمي والإصلاح الداخلي
مقالي في موقعي اخبار الاردن واحداث اليوم - الصورة منقولة
منذ عقدين كَثُر الحديث عن الدور
الإيراني وتأثيره على الأحداث في عالمنا العربي
, وإختلفت
الآراء على مشروعية هذا الدور من حيث قبوله و التعاطي معه
فكرياً و سياسياً بحكم الجغرافيا
والتاريخ ووحدة الدين أو برفضه والتشكيك بأهدافه وإختزاله بضرب بنية
الدول العربية وإستقرارها
وأمنها الإجتماعي
والتعايش المشترك بين طوائف بعض الدول .
ظهر الدور الإيراني في المنطقة جلياً بعد
إنتهاء
الحرب العراقية الإيرانية وحرب الخليج الأولى , التي تزامنت مع إنهيار
المعسكر الإشتراكي
وفقدان الدعم السوفييتي لبعض الجمهوريات
والمنظمات والأحزاب , وعملت إيران بقصد أو
من غير قصد على ملء هذا الفراغ وتوفير الدعم لهذه المنظمات
والأحزاب وتعزيز التعاون الإقتصادي مع
دول كالعراق وسوريا .
النظام الإيراني
قائم على تفضيل الجنس الفارسي في الداخل
ورعاية الشيعة في الخارج , وبعد إستحداث ولاية الفقيه , سعَّت القيادة
السياسية في إيران لأن تكون مرجعية لكل الشيعة الإثني عشرية
حول العالم ؛ ولأجل ذلك سخَّرت إيران الموارد المالية والسياسية وعملت على
كسب ولاء الشيعة في الجزيرة العربية
والعراق ولبنان وشبه القارة الهندية وأفغانستان وإفريقيا , وبدأت بصياغة مشروع دولة إقليمية مركزيه ترعى
حقوق الشيعة وتسعى لتمكينهم سياسيا في
مناطقهم , علاوة على تناقض هذا المشروع مع مفهوم الدولة الحديثة فجوهره الحقيقي
السعي إلى الهيمنة الإقتصادية والتبعية السياسية .
الأمن القومي العربي مهدد حالياً
بالمشروع الإيراني شرقاُ والمشروع الصهيوني غربا ومؤخراً إزدادت
الهوة إتساعاً بين
الموقف العربي بشقيه الرسمي و الشعبي و المواقف الإيرانية تزامنا مع الإحتجاجات في الشارع
العربي حيث كان لإيران دوراً بارزاً
في تحويل هذه الإحتجاجات من
مطالب إقتصادية
وإصلاحية ذات طابع مدني إلى خلافات دينية تضرب أسس الأمن الإجتماعي والتعايش
المشترك فتقدم أصحاب الفكر الديني
المتشدد لتصدر المشهد عوضاً عن الأحزاب
المدنية وخبراء الإدارة و الإقتصاد , مما أدَّى إلى
الفوضى والصراعات المذهبية . إتَّسَمَ
التدخل الإيراني بالإزدواجية تجاه الإحتجاجات فأيدتها في
مصر والبحرين وحاربتها بشراسة في سوريا ولاحقاً في لبنان والعراق مما زاد من الاحتقان بين الطوائف الدينية وإتساع الهوة بين
الفرقاء .
سعت إيران إلى لعب دور بارز في
الصراع العربي الصهيوني من خلال دعم بعض القوى اللبنانية والفلسطينية المقاومة لإسرائيل , كما سعى الكيان الصهيوني
لحشد الرأي العام العالمي ومحاولة إيجاد تحالف إقليمي معادي لإيران , بل ذهب لأبعد
من ذلك من خلال نسج علاقات مع دول مثل أذربيجان ودعم التوجهات الإنفصالية للأكراد والأذر في
إيران وحشد اللوبي الصهيوني في العالم الغربي , وتقديم ملف إيران على ملف القضية الفلسطينية ولعبت حرب مواقع التواصل الاجتماعي دورا لا
يستهان به في الصراع .
من الموبقات التي إقترفتها
إيران في المنطقة سعيها لضرب المواطنة في الدول العربية بحيث أججت المشاعر
الطائفية أو العرقية من أجل خلق جمهور تابع لها في دول ذات سيادة , وهذا
الخطأ وقعت به الدولة العثمانية قبل إيران حين دعمت مسلمي شبه القارة الهندية
لمحاربة الإنجليز
فرد الإنجليز
بالمثل بإثارة النزعات العرقية والدينية داخل الدولة العثمانية مما عجل في هزيمتها
وتقسميها لاحقاً .
عملت إيران جاهدة على ضرب قيم المواطنة في دول الخليج العربي والعراق
ولبنان وهذا الأمر قد ينقلب على الداخل الإيراني فيشكل خطراً وجودياً عليها ,
فالوضع الإقتصادي
والسياسي في إيران ليس محصناً ضد الإحتجاجات و الإضطرابات خصوصا بعد
العقوبات القاسية التي وجدت فيها الإدارة الأمريكية الإستراتجية الأقل ضررا والأكثر فعالية من المواجهة
العسكرية المباشرة . ولفهم الواقع
الإيراني لا بدَّ لنا أن نتطلع على بعض الحقائق المهمة : تبلغ مساحه إيران 1648000
كم² ويبلغ عدد سكانها 81 مليون نسمة يسكنون قي 31 محافظة أما الأعراق فهم كالأتي :
1- الأذر : يشكل
الأذر خمس السكان في إيران وهم ثاني عرقية
بعد الفرس ويشكلون أغلبية في ست
محافظات إيرانية ويقطنون في الشمال
, كما يوجد مليون أذري في
العاصمة طهران وهذه العرقية هي إمتداد للعرق الأذري في جمهورية أذربيجان التي
إستقلت عن الإتحاد
السوفييتي , يصر القوميون الأذر على تسمية مناطق الأذر في إيران بأذربيجان الجنوبية . ويعتمد
إستقرار
مناطق الأذر في إيران على الوضع الإقتصادي
الداخلي بالدرجة الأولى إلا أن هناك عوامل أخرى أهمها سياسة التمييز العرقي من
قبل الحكومة تجاههم والرغبة لدي القوميين
الأذر بتوحيد شطري أذربيجان وهذا ما تسعى
له الجبهة الشعبية لتحرير أذربيجان الجنوبية التي تتخذ من
باكو مقرا لها . تتسم العلاقات بين إيران وأذربيجان بالحذر والمخاوف
المتبادلة ,
فحكومة أذربيجان تخشى من
التمدد الديني الإيراني داخل أذربيجان كون أغلب شعبها من الشيعة , أضف إلى
ذلك دعم إيران لأرمينيا في حربها ضد أذربيجان
وبالنسبة لإيران فهي تشكو
الدعم غير المعلن من حكومة أذربيجان للإنفصاليين الأذر كما أن
العلاقات الإسرائيلية الأذرية المتميزة
تشكل مصدر قلق لها أما أكبر
مخاوفها فهي أن الأذر وحدهم لهم دولة قومية متصلة مع جغرافيتهم .
2-
الأكراد
: هم العرقية الثالثة في إيران ويشكلون عشر
السكان يتوزعون بشكل رئيسي على أربع محافظات في
الشمال الغربي على الحدود الإيرانية التركية والإيرانية العراقية . لا تختلف قضيه
الأكراد في إيران عن قضيتهم في تركيا أو سوريا أو العراق ولكن من المهم أن نذكر بأنَّ غالبية الأكراد في
إيران يعتنقون المذهب السني ويرتبطون
كثيرا بالأكراد في العراق ولهم ذات العادات ويتكلمون ذات اللغة والتواصل بينهم
كبير جداً ، وما حدث في العراق من
حيث حصول أكراد كردستان العراق على حكم
ذاتي شكل دافعاً لهم للمطالبة بحقوقهم .
الملف الكردي قد يستغل لزعزعه إستقرار
إيران لكن المجتمع الدولي غير مستعد حاليا ً لدولة كردية .
3- العرب : معظم العرب يستقرون في المحافظات الجنوبية ولاسيما
حوزستان وهرمزغان وبشهر . يُشكل
العرب ما نسبته ثلاثة بالمائة من السكان وأغلبهم يعتنقون
المذهب الشيعي و مساحة مناطقهم حوالي 348
ألف كم². وهذه المساحة تزيد عن مساحة بلاد الشام مجتمعة ولا يقتصر الأمر على
المساحة فحوالي سبعين بالمائة
من نفط إيران يُضخ من منطقة الأحواز العربية أضف إلى تلك
الموارد الغاز و السكر
والذرة , فأراضي الأحواز خصبة حيث يصب فيها أحد أكبر أنهار المنطقة وهو نهر
كارون . كانت الأحواز إمارة مستقلة
معترف بها من العثمانيين وباقي المحيط إلى أن قرر الإنجليز معاقبة أخر أمراء
الأحواز خزعل بن جابر الکعبي لمواقفه المعادية للإستعمار الإنجليزي ورغبة منها في أخذ حصة من
النفط فأوعزت إلى القائد الإيراني آنذاك رضا خان عام
1925 بإحتلال المحمرة عاصمة
الدولة الأحوازية . الشعور
القومي لدى عرب الأحواز متأصل و ازداد مع ظهور الأحزاب القومية في الوطن العربي لكن الحكومة الإيرانية مارست عليهم التميز العرقي ولم يشفع لهم وحدة المذهب
في نيل حقوقهم و إحترام قوميتهم وعاداتهم وتقاليدهم العربية , بل تحاول تذويبهم بالقومية الفارسية و تظهر أهمية الأحواز بقول الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي "إيران
با خوزستان زنده است" أي (إيران تحيا بالأحواز ).
4- البلوش : منطقة بلوشستان مقسمه بين
دولتين هما باكستان وإيران. يشكل
البلوش ثلاثة بالمئه من سكان إيران وهم سنة وأصولهم عربية حسب المصادر الموثقة إلا أنهم يعانون من التهميش والإضطهاد من جانب إيران وباكستان
ويعيشون دون خدمات تُذكر وهم الفئة الأكثر فقراً والأقل تعليما رغم موارد إقليمهم المتعددة . أهم
ما يلفت أنظار العالم إلى هذا الإقليم هو
إنشاء ميناء غوادر الذي سيغير الخارطة التجارية في بحر العرب .
5- إضافة لما سبق هناك بعض الأقليات مثل التركمان والأرمن والآشوريين والجورجيين واليهود كما يوجد في إيران مليون لاجئ أفغاني .
التركيبة السكانية الإيرانية المتباينة تُحتم عليها إنتهاج
سياسات تعزز المواطنة من خلال المساواة
بين فئات المجتمع الإيراني بصرف النظر عن العرق أو المذهب أو الدين و التعاطي مع
الدول بمبدأ حسن الجوار وعدم التدخل بالشؤون الداخلية .
إن دور إيران الخارجي
في دعم جماعات معينة بحجة الدفاع
عن الأقليات المظلومة في بعض الدول
العربية لن يكون مقبولاً , خاصة إذا تمعنَّا في سياساتها تجاه شعبها وعجزها عن
تحقيق التمنية والرفاه لمواطنيها وقمعها للإحتجاجات الشعبية ذات
الطابع الإقتصادي
وهناك شعور عام لدى الشعب الإيراني أنَّ حكومته تُبدد ثرواته على قضايا خارجية لا تعود عليه بالنفع المباشر , وحتى لو نجحت
الحكومة الإيرانية في قمع الإحتجاجات وإحتوائها مرحلياً فسوف تعود للإشتعال مجددا بأشكال
مختلفة . كان لافتاً في هذا الإطار
تصريحات الخارجية الأميركية بان أميركا لا تسعى لتغيير النظام فالإدارة الأميركية الحالية تعتبر تغيير
الأنظمة يخلف فوضى لا تحمد عقباها كما
أنَّ المعارضة الإيرانية في الخارج لا
تُشكل بديلاً مقبولاً قادراً على جمع
الفسيفساء الإيرانية في كيان موحد يحمل مشروع دولة حديثة ممثلة من كل الأطياف ، وهي
لا تتمتع بثقل نوعي في الداخل الإيراني .
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو : كيف لإيران أن تُصلح دولاً أخرى وتحتكر مصير
شعوب بأكملها لخدمة مشروعها تحت مسميات دينية مذهبية وهي غير قادرة على تحقيق
العدالة الإجتماعية لشعبها
. فإيران لن تستطيع تحقيق الإستقرار دون
علاقات جيدة مع الجوار بالإضافة إلى عدم
التدخل في شؤون الدول الداخلية من خلال ضرب النسيج الوطني والتعايش المشترك بين
أطيافه. فالشعوب العربية لها تاريخ عريق ورسالة خالدة ولسان حال العرب يقول لإيران كما قال ربعي بن عامر التميمي
لقائد الفرس رستم :(الله إبتعثنا لنخرج من شاء من عبادة
العباد إلى عبادة الله ) فالشعوب ومصائرها ومستقبل أجيالها وأمنها لا
يمكن أن ترتهن كأوراق تفاوضية بين إيران
والمجتمع الدولي .
تعليقات
إرسال تعليق