التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الطبقة الوسطى والربيع العربي


نتيجة بحث الصور عن الطبقة الوسطى

الطبقة الوسطى والربيع العربي

مقالي في موقعي اخبار الاردن واحداث اليوم - الصورة منقولة 

   الطبقة الوسطى هي  الطبقة التي تأتي  بين الطبقة الغنية والطبقة الفقيرة ، وقد عزا الكثيرون من علماء الإجتماع   تضخم  الطبقة الوسطى  إلى الثورة الصناعية وتوسع المؤسسات الخدماتية  بعد نشأة الدولة الحديثة.
 تُعتبر الطبقة الوسطى  الضامن الرئيس  لأمن المجتمع ووقوده الإقتصادي الذي لا ينضب و زيادة أعدادها  يُعتبر ظاهرة صحية كونها  صمَّام الأمان الذي ينظم العلاقة بين الطبقات الإجتماعية فهي تمنع تنَّمُر الطبقة الغنية على الطبقة الفقيرة وتمتص حنق الطبقات المٌعدمة  و تُوَفر للمجتمع الرخاء الإقتصادي لأنَّها عماد القوة العاملة في  القطاعين الحكومي والخاص على حد سواء. علاوة على ذلك تعتبر الطبقة الوسطى الأكثر إنفاقاً ضمن جغرافيا .
البلد والأقل إعتماداً على الحكومات ، فهي لا تتلقى مساعدات الطبقة الفقيرة ولا تصرف ببذخ على كماليات مستوردة فتتسبب بنزف موارد الدولة وتدفق الثروة خارج الحدود لأسباب متباينة.  بالرغم من كل  ذلك  جُلَّ الضرائب تستوفى  من مدخولاتها .
وعند دراسة الطبقات الإجتماعية لابد من إستحضار الثورة الفرنسية التي تعتبر علامة فارقة في  نشأة  الدولة   الحديثة لما لها من أثار إجتماعية وإقتصادية وسياسية على العالم.  ومن غير المنصف أن تُختصر نتائج الثورة الفرنسية  بتغيير نظام الحكم في فرنسا  دون الإلتفات  الى أثرها على تطور العلوم الإنسانية  من   تَبَلْور  النظام  السياسي والإقتصادي

وترتيب المنظومة  الإجتماعية بعد إنتهاء مظاهر  الفوضى والإضطرابات.
 وقد عكف   علماء النفس و الإجتماع و الإقتصاد على دراسة الثورة الفرنسية ومُسبباتها و  أَجْمَعَ معظمهم  أنَّ الطبقة الوسطى  هي وقود الثورة الفرنسية وحاملة شعلتها.
ومن أهم العلوم التي ظهرت بعد دراسة  الثورة الفرنسية ، علم النفس الجماعي – هذا العلم  يعتبره البعض فرعاً من فروع علم النفس الإجتماعي- والذي حَذَّر من تغييب المنهجية النفسية  في التعامل مع الجمهور أثناء الازمات الإقتصادية التي تُفضي الى  إختلالات إجتماعية  تتآكل على إثرها  الطبقة الوسطى وتتحول إلى  جمهور غاضبٍ ناقمٍ تتحد معه  بشكل تلقائي الطبقة الفقيرة، فَتتشكل عندئذٍ جماعات تُقاد بتطرف وفوضويه فتُقَوَض مدنية المجتمع وتستثني نُخَبَهُ فتسود العشوائية والتخبط .
برزت   الطبقة الوسطى  في العالم العربي بعد الحرب العالمية الأولى   إبان الإستعمار الأوروبي ،   وقد تشكلت هذه الطبقة من موظفي الدولة والعاملين في المؤسسات الأمنية والمهندسين وتجار التجزئة وأصحاب   الحِرَف  ولابد من الاعتراف أنَّ جزءاً كبيراً من الطبقة الفقيرة إنتقل الى
الطبقة الوسطى أثناء الإستعمار الغربي للوطن العربي وتزايد  الهجرة من الريف  الى المدن  . 
وتزامناً مع  الإستقلال  وتَشكُّل الحكومات الوطنية على إمتداد جغرافية الوطن العربي،  تضخمت الطبقة الوسطى مستفيدة  من التوسع في التعليم العالي وإنشاء الجامعات والمعاهد  وتَوفُر الوظائف التي تتعطش لها الدول الوطنية الوليدة من مدرسين ومهندسين وضباط ومهنيّين وأطباء وموظفي شركات النقل و الإتصالات و تَعَززت مع نمو القطاع الخاص رُغْمَ تواضعه .
وممَّا لاشك فيه أن التوسع في التعليم لعب دوراً فاعلاً في بناء الطبقة الوسطى في الوطن العربي   لكن غياب خطط التطور المدروس  للمجتمعات   وظهور التطور العشوائي سبَّبا تراكماً للمشاكل الإقتصادية و الإجتماعية والسياسية التي تجاهلتها الحكومات وتوارثتها من جيلٍ إلى آخر.
ظلَّت  معظم الحلول الكلاسيكية تعتمد  على التوسع   في توظيف الطبقة الوسطى السريعة النمو ضمن القطاع العام ، فظهرت البطالة المُقَنَعًة وتعززت  البيروقراطية  و تناقصت المداخيل وتدنت الأجور  وبقي القطاع الخاص ضعيفاً بسبب غياب الاستثمارات الضخمة . 
   ومع إزدياد التضخم السكاني وعدم الأستقرار السياسي والأمني في العديد من  المجتمعات العربية نتيجة الأزمات الداخلية والخارجية  المتلاحقة ، تأثرت   الطبقة الوسطى  وتراجعت نسبتها في المجتمع
بسبب تَفَشي البطالة بإشكالها  و إرتفاع الأسعار والركود  الإقتصادي  بحيث لم تعد الطبقة الفقيرة حكرا على  من لا يمتلك قدرة او مهارة  العمل نتيجة  الأُميَّة أو المرض أو قلة الموارد الأُسريَّة من أراضٍ  ورأس مال  و عقارات وما الى ذلك من مسببات الفقر؛  فشملت أيضاً  فئة خريجي الجامعات التي بدأت  تعاني من ندرة فرص العمل وتدني الأجور والتهميش الاجتماعي مع الأخذ بعين الاعتبار ان جُلَّ هذه  الفئة  من  الشباب . وقد فشلت الخطط الإقتصادية في معالجة إنحسار الطبقة الوسطى أو أهملت خطر إنقراضها  و الأخطر من ذلك أنها تجاهلت خطر نقمتها.
من أحداث  الربيع العربي  نكتشف دون عناء أنَّ معاناة الطبقة  الوسطى شكَّلت عاملاً حاسماً في أحداث الثورات العربية،   فكما أنَّ الثورة الصناعية في أوروبا أفضت  الى تغييرات جذرية في بُنيَة المجتمع الغربي وتمايز طبقاته وولادة تيارات فكرية أعلنت  وفاة الإقطاع والتحول إما إلى الرأسمالية أو الاشتراكية ؛  كذلك  أحدثت الثورة الرقمية و الإعلام و العولمة  صدمة   في المجتمعات العربية المنغلقة  فأيقن  الشباب  في الطبقة الوسطى  أنَّه من الظلم بمكان - مع  ما يمتلكون  من مؤهلات -  أن يعانوا من البطالة والفقر والتهميش مقارنة بما يتمتع به نظرائهم  في الدول المتقدمة،  تماما كما  أيقن العمال إبان الثورة الفرنسية بأنَّ أجورهم لا تعادل جهدهم وأن  الهوة أخذة بالاتساع بين فقير  معدم  وثري فاحش الثراء.    

 وقد إعتبر جستاف لوبون Gustave Le Bon   عرّاب  علم النفس الجماعي أنَّ   التعليم التقليدي يُعَّدُ  سبباً من أسباب الفوضى في
المجتمعات كونه يُوجه الفرد نحو إتجاهين لا ثالث لهما : فإما أن ينال  وظيفة تضمن  له موردا   إقتصادياً وإستقراراً إجتماعياً  و إمَّا أن يصبح ناقماَ على النظام الإجتماعي برمته لشعوره بالظلم، ويزداد هذا الاحساس تطرفاً  بوجود تمييز طبقي في التوظيف،  فيشعر الفرد بالإحباط  والنقمة على مجتمعه .
و أشار لوبون إلى ضرورة تغيير التعليم التقليدي  التلقيني والتوجه نحو التعليم التقني  ضمن إستراتجية التطور المدروس  وتقنين التخصصات الإنسانية.
الطبقة الوسطى  في الدول العربية تستثمر جزءاً ضخماً  من دخلها في تعليم  أبناءها  ومن غير المنصف ان يكون هذا الأستثمار خاسراً بحيث يستمر تدفق الخريجين سنوياً الى صفوف الباحثين عن  العمل وتتفاقم المشكلة من عام إلى أخر فالخريجون يطالبون بما هو حقُّ لهم في التوظيف و التشغيل  والحكومات المتعاقبة لا تغير نوعية التعليم ولا تُطور المناهج بل تكتفي بالمطالبة بالتوجه للتعليم المهني دون تغيير  
تطبيقي مُشَرعن   وجذري في توجهات التعليم العالي، فيصبح الشباب تربة خصبة لأي فكر هدام ومتطرف .
من أولويات المحافظة على موارد الطبقة الوسطى   حل مشكلة التعليم العالي  حتى لا يستمر النزف المادي الذي يغذي  تعليماً  لا يُؤَمن  لأبناء الطبقة الوسطى فرصة الحصول على وظيفة تتناسب مع تحصيلهم العلمي   فالهدف من التعليم تأهيل الجيل الجديد لوظيفة أو مهنة المستقبل وليس مجرد ترف .
والطبقة الوسطى في المجتمع تحتاج الى إستثمارات في مشاريع إقتصادية ضخمة تُغَير ملامح العجلة الإقتصادية  التقليدية   وليس  فقط استثماراً بسيطاً  كبناء مبانٍ جامعية يتم  فيها التعليم التلقيني الممل للطلاب في زمن  (الهولوغرام ) .
إيجاد حلول ناجعة للمحافظة على الطبقة الوسطى  هو مصلحة  قومية عليا كونه يُحَصّن الدولة ويمنع  إضطرابها ،  و أسرع هذه الحلول  هو حماية مقدرات هذه الطبقة من خلال عدم تحميلها وحدها  الأعباء الاقتصادية  وجعلها  تعيل الطبقة الفقيرة  المُعدَمة و تَجَنُب تبديد ما تملك من أجل تراكم  مداخيل و ثروات  الطبقة الغنية  .
تُعَّدُ مشكلة البطالة في الاردن من أهم مشاكل الطبقة الوسطى فهي تزيد  من إعتماد الأسرة على  معيلٍ واحد ممَّا يؤدي الى انتقالها  الى مصاف الطبقة الفقيرة رغم توفر المؤهلات لدى بقية أفراد العائلة ؛  ومن الطبيعي أن أصحاب هذه المؤهلات الذين  تأصل  في اللاوعي لديهم أن شهاداتهم 
ستقيهم شر العوز وتؤمن مستقبلهم سيصدمون بظلم المجتمع و إختلال موازينه تجاههم  .
يجب العمل بشكل جدي على حل مشكلة البطالة لإنعاش الطبقة الوسطى، فيمكن على سبيل المثال لا الحصر  تشكيل  فريق حكومي تشارك فيه وزارة العمل والخارجية وديوان الخدمة المدنية لدراسة توفير فرص عمل خارج المملكة وعدم الإتكال على السوق الخليجي  المبني على جهود الخريجين الذاتية مع الاخذ بعين الاعتبار أن  إنخفاض فرص العمل في السوق الخليجي سيفاقم مشكلة البطالة   .
 كما انَّ تجميع  إستثمارات  تشاركية محدودة من الطبقة الوسطى تحت   إشراف  حكومي  لتغذية مشاريع  تنموية حيوية  كالطاقة البديلة ومصانع السيارات الكهربائية ومحطات تحلية المياه بالطاقة الشمسية ،   تحد من  الاقتراض الخارجي والفوائد المترتبة عليه والتي تقع  تبعاتها على  الطبقة الوسطى وتفاقم الضرائب على المتطلبات الأساسية التي بلا شك تقودها الى الإنقراض .
الطبقة الوسطى لا تمتلك إستثمارات ضخمة لكن يمكن خلق إستثمارات تساهمية منها  قد تزيد من  مدخولاتها وتًوَفر الآلاف من فرص العمل وتُراكم مدخراتها  للاجيال القادمة بحيث تُوَجه للبنية التحتية والقطاعات ذات الأرباح الضخمة  كالاتصالات والبنوك  وشركات ألانترنت وهذا لا يعني بأي حال من الاحوال التأميم بل زيادة المنافسة لتحسين الخدمات .

 تستطيع الحكومة  خلق  إستثمارات   بالشراكة مع النقابات  لرفع دخل الطبقة الوسطى وتحريك الاسواق مما يعطي الإطمئنان للطبقة الغنية  
لتزيد إستثماراتها ويشكل في آن  واحد عامل جذب  للاستثمارات الخارجية  ويعزز  المنافسة الإيجابية وتحسين الخدمات ويحارب الاحتكار وتضخم ثروات  الأقلية  .
إنَّ  تمايز الطبقات  إقتصاديا   في المجتمعات   يحقق ،منذ الأزل، التوازن  و الإستقرار  من خلال خلق نشاط إقتصادي يتوافق  و خصوصية المجتمعات  وقيمها ،لذا نبحث عن إقتصاد تكافؤ الفرص ذي  فكرٍ  خلاقٍ  يستغل الموارد  المتاحة لتحقيق  التنمية النافعة  المستدامة ضمن   منظومة مؤسسات تمتلك آليات التشريع والمراقبة والمحاسبة  و تمنع الهدر  وتغض طرف   السياسة  عن مغريات  الإقتصاد والإقتصاد عن مغريات السياسة .



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سي السيد و معركة ميلانو

سي السيد و معركة ميلانو مقالي في موقعي اخبار الاردن واحداث اليوم - الصورة منقولة  عذرا، فقبل البدء وكي لا أُتَّهم بالتحامل ،   أ نا لا أتكلم عن كل الرجال ولكن أقصد شريحة معينة إ سترعت إ هتمامي و إ ستفزت قيم الشرقي   فكان لا بد لي من ال إ شارة إليها من باب الحرص لا النقد. لاشك بأنَّ الثقافة المجتمعية والمعيشية تتغير مع متطلبات العصر، لكن لكل أُمَّة عادات ومبادئ يجب أ ن لا تُهدم بمعول الحداثة ولا تُداس بحذاء من يدًّعي محاربة التخلف.   أ ثناء معركة الفجر بين النور و أ خر بُقع الظلام في شارع (كورسو بينس آ يرس) في مدينة (ميلانو) ، ر أ يت إمرأة إ فرنجية في العقد الرابع من عمرها   تخوض معركة طاحنة غير معركة النور والظلام بل معركة لقمة العيش   كموظفه فها هي بدأت عملها بمعالجة   إ نسداد (منهل) للصرف الصحي ، ولا أ علم لماذا تذكرت وأنا أنظر بدهشة إ ليها   رائعة الكاتب المبدع   نجيب محفوظ   بين القصرين .   و أ عتقد جازما أن أغلب الرجال الذين شاهدوا أ و تصفحوا رواية نجيب محفوظ الشهيرة   ، أُعجبوا بشخصية سي السيد و أ...

صناعة الرأي العام

صناعة الرأي العام مقالي في موقعي اخبار الاردن واحداث اليوم - الصورة منقولة  لا يكاد يخلو مقال أ و إحصائية من كلمة الرأي العام فقد صارت مصطلحاً   يُستخدم لإثبات صواب قول ما   وسلاحاً   يهدد به   بعض الساسة أو المؤسسات ويستعينون   به   لشرعنة قانون أو توجه جديد وحتى لأجل   إجراء تصحيح يجدون   فيه علاجاً لبعض المستجدات التي طرأت على المجتمعات والدول . الرأي العام له مرجعياته وأسسه التي تتخذ منها الجماعات والشعوب ميزاناً لقبول أو رفض ما يطرأ وقد تكون هذه المرجعيات شرائع سماوية أ و دساتير , وأحيانا تكون ثقتها بالفرد كالسياسي أ و رجل الدين أ و أصحاب ال إ ختصاص كالأطباء والمهندسين والعلماء   فيكون رأي هؤلاء   الفيصل في صناعة الرأي العام .   الفرد فطريا يُكّون رأيه الخاص ؛ لكن رأيه يخضع   للتغيير والتعديل عند تواصله   مع الجماعات   فُيطرح   رأيه   للمقارنة   مع حجج وبراهين وإعتبارات يُؤمن بها الآخرون , وبعد هذا التواصل إما أن يزداد تمسكه برأيه فتتعزز ثقته بالتوافق الجمعي أ و يتخذ موقفاً ج...