التخطي إلى المحتوى الرئيسي

تجري الرياح بما لا تشتهي الطائرات

نتيجة بحث الصور عن ركاب ومطب الطائرة

تجري الرياح بما لا تشتهي الطائرات
مقالي في موقعي اخبار الاردن واحداث اليوم - الصورة منقولة 


السفر بالطائرة من أهم إبداعات الهندسة الحديثة ولازالت الشركات العاملة في صناعة الطيران تنفق ملايين الدولارات كي تطور أساطيلها حتى غدا السفر جواً الأكثر أماناً من بين وسائل النقل الأخرى، لكن أحيانا تجرى الرياح بما لا تشتهي الطائرات ومن عليها.
 أثناء رحلة على متن إحدى شركات الطيران  المملوكة  لبلدٍ عربيٍ  من مانيلا الى عاصمة ذلك البلد ، ولما  شارفت تلك  الرحلة على الأنتهاء وبدأت  الطائرة  بالإنخفاض التدريجي،  طلب القبطان من الركاب ربط أحزمة  الأمان  استعداداً للهبوط، آنذاك  حدثت إضطرابات غير متوقعة إرتجت على إثرها الطائرة بشكل عنيف , ولم أدرك أن هناك فرقاً بين هذه الأضطرابات وما عهدته من قبل   إلا من هلع  المضيفة والمضيف وطريقة جلوسهما ولغة جسديهما التي تشي أن هناك أمراً جللاً  , فأيقنت  أنَّ هذه الرحلة قد تجد لها مكانا في برنامج تحقيقات الكوارث الجوية ولن يبق أحدٌ   من  من   على متنها لكي يروي أحداث  المآساة.
 ومع تواصل إهتزاز الطائرة و إزدياد حركاتها المضطربة  لدرجة تساقط الأمتعة من خزائن المقصورة، بدأت أسمع الصراخ والعويل من الرجال والنساء وصوت الإستغفار يتردد عالياً  بلا توقف من جميع الأفواه , وعمَّت الضوضاء مع إستمرار الطائرة بالتمايل ذات اليمين وذات الشمال  كان بجواري أماً و طفلها  وسمعت الصغير يسأل  أمه ماذا يحدث ؟ فأجابته  وهي تغالب قلقها: «القبطان يمازح الركاب كي يسليهم   » فردَّ الطفل : « تقصدين كما في  الملاهي ؟» فأجابته الأم :« نعم  كالملاهي




تماماً»، فإنفجر الطفل ضاحكاً و  كلما  إزداد  إهتزاز الطائرة ازدادت قهقهات الطفل الصغير و والدته  تدَّعي الضحك والسعادة.  
أما  باقي  الركاب  فجميعهم  يستغفر ويطلب من الله ان يُنجيه حتى يُكَّفر عن خطاياه ويعمل صالحاً ويتبرأ مما إقترفت جوارحه من آثام وغدت الحياة   كأنها  شريط  دعائي قصير.
 لم يذكر اياً منَّا القبطان أو من هم في مقصورة القيادة  بسوء أو لوم  لكن الوضع بدأ يزداد سوءاً ،  و الصراخ أخذ يعلو وسقف المطالب ينخفض، من النجاة الى طلب المغفرة ودخول الجنة، إنقضت دقائق حسبناها دهراً من شدة الخوف، وأخيراً  إستقرت الطائرة وهبطت بسلام على مدرج المطار.
ولما أحس الركاب بالأمان و أدركوا أنهم ما زالوا على قيد الحياة، تفقد كل منهم مقتنياته، هاتفه، محفظته, و حقيبته التي سقطت من خزانة المقصورة غير مبالين بطلب المضيف والمضيفة بأن يجلسوا في مقاعدهم   ولكن هيهات.
 بدأ الركاب بشتم  المضيفة والمضيف  بما حمل قاموس ثقافتهم من مفردات  تصل لحد البذاءة، ورويداً رويداً شملت الشتائم القبطان ومساعده وشركة الطيران  وعمت الفوضى كأننا نشاهد الإتجاه المعاكس بين طاقم المقصورة والركاب , و وصل الأمر إلى الاشتباك بالأيدي وهنا تدخل القبطان كي يخفف الضغط عن طاقمه وسط تهديد بعض الركاب بمقاضاة  القبطان وشركة الطيران  ولم يهدأ الناس  إلا بصعود  رجال أمن المطار.



     
نجح القبطان بالهبوط بالطائرة بسلام ولم يصب أي من الركاب او الطاقم بأذى. نسي الركاب الزمن الذي كان الموت أقرب إليهم من حبل الوريد . ولم يثن أحدُ منهم على مهارة القبطان الذي أنقذ حياتهم   لأنهم لا يعلمون حقيقة المعركة التي كان يخوضها من أجل سلامتهم وربَّما سلامته , ولا أعلم إن اسعفه  الوقت كي يستغفر أو يتوب وهو يُسَّخر كل ما تعلمه وتدرب عليه للنجاة بالطائرة وركابها.
 أما  المضيف  والمضيفة  فقد  فشلاً  ذريعاً، فجوهر مهنتهما ليس تقديم الطعام والشراب للركاب أوالتنظيف ولا حتى تقديم عرضاً  مكرراً مضجراً عن كيفية التصرف أثناء الطوارئ ، فالأم   فعلت كل ذلك  لطفلها دون الحاجة لنصائحهما بل كان يجب عليهما  القيام  بالحد  الأدنى من  متطلبات مهنتهم   لكي  يكبحا جماح الخوف والقلق او على الأقل الفوضى في المقصورة،  فنال القبطان الذي كان يصارع الريح العاتية  السخط لا التكريم بسبب خوف المضيف والمضيفة و سوء إدارتهما  للأزمة داخل المقصورة.
لم يمتلك المضيف والمضيفة ولا حتى الركاب  شجاعة  الأم  التي  جعلت طفلها يضحك وأخفت دمعتها وحزنها لدرجة أنها ضغطت على يدي دون أن تشعر حيث  شعرت بخوفها  من قوة قبضتها ,رغم أنها كانت تضحك كاذبة ليطمئن  طفلها، كذلك القبطان قد نجح في مهمته رغم جهل الركاب بما قام به من جهد وحسن تصرف.






كم نحتاج في مجتمعاتنا لأناس لا يسعون للنجاة وقت الأزمات بالاستغفار والدعاء فقط ، بل يثمنوا  دور من أتقن ميكانيكا الموائع و ديناميكا الريح وقراءة عديد المؤشرات و دقة التوجيه .
نحتاج إلى من يخفي مشاعره وقت الخوف حتى يضحك الطفل حينما يستغفر الجميع خوفاً لا رجاءً،  فالطفل الصغير هو صفحة بيضاء لم تتلوث بعد بآثام البشر فلماذا نُسَّبب له الهلع؟ .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سي السيد و معركة ميلانو

سي السيد و معركة ميلانو مقالي في موقعي اخبار الاردن واحداث اليوم - الصورة منقولة  عذرا، فقبل البدء وكي لا أُتَّهم بالتحامل ،   أ نا لا أتكلم عن كل الرجال ولكن أقصد شريحة معينة إ سترعت إ هتمامي و إ ستفزت قيم الشرقي   فكان لا بد لي من ال إ شارة إليها من باب الحرص لا النقد. لاشك بأنَّ الثقافة المجتمعية والمعيشية تتغير مع متطلبات العصر، لكن لكل أُمَّة عادات ومبادئ يجب أ ن لا تُهدم بمعول الحداثة ولا تُداس بحذاء من يدًّعي محاربة التخلف.   أ ثناء معركة الفجر بين النور و أ خر بُقع الظلام في شارع (كورسو بينس آ يرس) في مدينة (ميلانو) ، ر أ يت إمرأة إ فرنجية في العقد الرابع من عمرها   تخوض معركة طاحنة غير معركة النور والظلام بل معركة لقمة العيش   كموظفه فها هي بدأت عملها بمعالجة   إ نسداد (منهل) للصرف الصحي ، ولا أ علم لماذا تذكرت وأنا أنظر بدهشة إ ليها   رائعة الكاتب المبدع   نجيب محفوظ   بين القصرين .   و أ عتقد جازما أن أغلب الرجال الذين شاهدوا أ و تصفحوا رواية نجيب محفوظ الشهيرة   ، أُعجبوا بشخصية سي السيد و أ...

صناعة الرأي العام

صناعة الرأي العام مقالي في موقعي اخبار الاردن واحداث اليوم - الصورة منقولة  لا يكاد يخلو مقال أ و إحصائية من كلمة الرأي العام فقد صارت مصطلحاً   يُستخدم لإثبات صواب قول ما   وسلاحاً   يهدد به   بعض الساسة أو المؤسسات ويستعينون   به   لشرعنة قانون أو توجه جديد وحتى لأجل   إجراء تصحيح يجدون   فيه علاجاً لبعض المستجدات التي طرأت على المجتمعات والدول . الرأي العام له مرجعياته وأسسه التي تتخذ منها الجماعات والشعوب ميزاناً لقبول أو رفض ما يطرأ وقد تكون هذه المرجعيات شرائع سماوية أ و دساتير , وأحيانا تكون ثقتها بالفرد كالسياسي أ و رجل الدين أ و أصحاب ال إ ختصاص كالأطباء والمهندسين والعلماء   فيكون رأي هؤلاء   الفيصل في صناعة الرأي العام .   الفرد فطريا يُكّون رأيه الخاص ؛ لكن رأيه يخضع   للتغيير والتعديل عند تواصله   مع الجماعات   فُيطرح   رأيه   للمقارنة   مع حجج وبراهين وإعتبارات يُؤمن بها الآخرون , وبعد هذا التواصل إما أن يزداد تمسكه برأيه فتتعزز ثقته بالتوافق الجمعي أ و يتخذ موقفاً ج...