حدود شرق المتوسط بين التنافس والتحالف
بدأ الصراع على منابع النفط أثناء الحرب
العالمية الثانية , فصار يحدد جغرافيا المعارك ومساراتها فلم يعد التنافس يقتصر على الممرات المائية والموارد الزراعية
والحديد .
إستمر صراع الإستحواذ على النفط بعد
أفول الإستعمار حيث بنيت تحالفات وخلقت صراعات لضمان تدفق النفط وحماية
ممراته , وسعت الدول الكبرى لدعم اقتصاداتها بعائدات النفط المتدفقة من
مناطق إمتياز شركاتها
العابرة للقارات والتي تتعدي ميزانياتها ميزانيات دول كاملة وسيطرت هذه الشركات إلى حد كبير على سياسات
الدول الكبرى والمنظمات الدولية كالبنك الدولي , وحاليا ذهب الكثيرون لربط كل ما
تشهده المنطقة من صراعات بإكتشافات النفط والغاز في شرق المتوسط وصراع الشركات الدولية على الحصص .
في أواخر القرن
العشرين تبوأ الغاز مكانه معتبرة وواعدة في
سوق الطاقة حتى أن بعض المتفائلين مقتنع أن مصير النفط كمصير
الفحم بوجود الغاز كون ضرره البيئي
يقل عن ضرر مشتقات النفط التقليدية إلا أنه من المبكر الحديث عن تفوقه على النقط كطاقة أو في الصناعات
البتروكيميائية , كما وساهمت مشكلة الإحتباس الحراري
والتلوث في تخصيص أغلب إستثمارات الطاقة المدعومة من الهيئات الدولية المخصصة للدول النامية
لصالح الطاقة المتجددة عوضا عن الوقود
الأحفوري .
إقليما , كثر الحديث مؤخرا عن الصراع في شرق المتوسط على
مصادر النفط والغاز والذي أصبح واقعا فبعض الدول لها حقول عاملة أو بدأت بإنشاء البنى
التحتية لأبار الغاز مثل مصر وقبرص والكيان الصهيوني ومع غياب إتفاقية دولية واضحة
ملزمة البنود من المتوقع أن يتصاعد الصراع بين الدول على حقوقها وحدودها في
شرق المتوسط كون الحدود لم يتفق عليها الى الآن وبعض الدول لها
مطامع في حصص دول أخرى ويمكن تلخيص المصالح والأطراف في هذا الصراع كما يلي
:
·
الكيان الصهيوني :
يسعى للتنمر على الدول العربية في إستغلال ثروات البحر
المتوسط فهو يحتكر التنقيب في كامل الشاطئ الفلسطيني بما فيه شاطئ قطاع غزة فارضا
سياسة الأمر الواقع كما يسعى جاهدا لسلب حق لبنان في بعض مناطق شرق
المتوسط ويخطط لتمرير خط الغاز الى
أوروبا بالإتفاق مع اليونان
وقبرص و إستثناء تركيا كي يمنع إحتكارها لمسارات خطوط الغاز نحو أوروبا كونها ممر حالي
لخط للغاز الأذري و باشرت بإنشاء خط الغاز الروسي .
·
قبرص : من المعلوم أن الجزيرة مقسمة منذ عام 1974. وتركيا ترفض اي إتفاقيات تبرمها حكومة قبرص الرومية لا يكون القبارصة الأتراك
طرفا فيها , علاوة على ذلك هناك الخلاف بين قبرص وتركيا حول الحدود البحرية , فتركيا لم توقع بعد على إتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار والتي تنص
على
أن المنطقة الإقتصادية الخالصة لبلدٍ
ما تمتد من الشاطئ الى مسافة 200 ميلٍ في
البحر ، حيث تستأثر هذه الدولة بحقوق الصيد والتنقيب والحفر ضمن هذه المسافة ,
وعندما تكون المسافة البحرية بين بلدين أقل من ذلك كما في حالة قبرص وتركيا عليهما تحديد خط فاصل متّفق عليه بين منطقتيهما
الاقتصاديتين الخالصتين وهذا ما ترفضه تركيا , كون الاتفاقية ذاتها فيها اعتبار لإمتداد الجرف القاري من الشاطئ لعمق
البحر والذي تتمسك به تركيا في التنقيب ضمن ما تعتبره قبرص منطقتها الاقتصادية الخالصة - مسألة الجرف القاري سنته الولايات المتحدة في أعالي البحار - ومن هنا فإن خلاف الحدود البحرية لا يمكن حسمه إلا بمنطق القوة أو إجماع دولي لفرض حل على
الاطراف المتصارعة .
·
تركيا : بعد إتفاق
اليونان ومصر وقبرص على ترسيم الحدود البحرية لجأت تركيا الي حليفتها حكومة الوفاق الليبية لعقد إتفاق من شأنه أن يقوض إتفاق الدول الثلاث
والمنطق التركي يستند الى ان الجزر اليونانية (كاستيلوريزو وكريت وردوس ..الخ ) لا تعامل معاملة الدول .
·
سوريا : من غير المرجح ان تحل مشكلة ترسيم الحدود
البحرية في شرق المتوسط قبل إنتهاء الازمة
السورية ومن المؤلم أن الأمر الواقع قد يفرض نفسه وما ان تنهض الدولة السورية حتى تضطر لرهن ثروتها في شرق
المتوسط نظير ما تلقته من مساعدات إبان الحرب او إعادة الإعمار مستقبلا .
·
مصر : قادرة
على حماية حدودها البحرية إلا أن مد خطوط الغاز من أبارها الى أوروبا بالتحالف مع
اليونان وقبرص والكيان الصهيوني لن يعود عليها بالمردود المجدي وخصوصا اذا ما تغيرت
التحالفات السياسية مستقبلا , لذا من الأجدى لها ضخ الغاز الى أراضيها وعمل بنى
تحتية لإسالة الغاز وشحنه بحرا كون
التجربة القطرية في هذا المجال أثبتت نجاحها .
·
لبنان : إن إستمر الوضع السياسي في لبنان بالتدهور وغابت
قوة الدولة قد يخسر لبنان ثروته في شرق
المتوسط أو قد يجبر على تسويات تفقده حصة كبيرة من هذه الثروات
ثمنا للتدخل الدولي الذي قد يحدث لإعادة هيبة الدولة وإنهاء اي وجود مسلح خارج سلطتها .
·
السلطة الفلسطينية : ان لم تحل القضية الفلسطينية بشكل
عادل سيشكل عدم الامن والاستقرار عقبة حقيقة في
اي إستثمارات دولية على الجانب الصهيوني كون منصات الغاز ومهما
حاول نقلها للشمال لن تكون أمنة إن إستمر بإنكار الحقوق الفلسطينية في قيام دولة وحقها في
ثروات المتوسط لذا من المتوقع ان يركز على
ملف غزة
ويحله جذريا ويختصر به الصراع و
ينكر أي حق فلسطيني في الضفة الغربية .
الأحداث التي تتواتر حول المواقف والصراعات على ثروات شرق
المتوسط سواء كانت على الغاز نفسه او
مسارات أنابيب الغاز تسير بعكس مصلحة الدول العربية , الإستثمار في الغاز
يحتاج لسنوات حني يعود بمردود على الدول أو الشركات
المستثمرة فيه لما يتطلبه من بنى تحتية وتجهيزات وما تقوم به تركيا الآن وما تمتلكه من
تجهيزات للتنقيب ليس وليد اللحظه , فهي خططت له منذ سنوات وشكل عاملا هاما في تحالفاتها الدولية وسياستها
الخارجية وإذا استمر الحال كما هو فإن حصص العالم العربي من الغاز والمياه ستتعرض للسلب مما يؤثر على التنمية وإن لم تقم الدول
العربية بحل مشاكلها الداخلية بشكل يضمن
وجود مؤسسات قوية قادرة على الحفاظ على
حقوقها دون ان تجبر على تنازلات مجحفة .
بل يتحتم عليها الإستعانة بالكوادر
الوطنية المغيبة حاليا عن المساهمه بصنع
القرار لإيجاد إستراتجية تنموية معتمدة على مقدراتها , فالمياه والطاقة سيهددان إستقرارها ويقوضان
فرصها في التنمية ودعم الاقتصاد بموارد ذاتية والذي قد يبدد في خلافات سياسة ضيقة تبرر التدخلات الخارجية وتسلب قراراتها السيادية .
.
تعليقات
إرسال تعليق