التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ترامب وعربة فرديناند فوش

نتيجة بحث الصور عن خارطة فلسطين"


ترامب وعربة فرديناند فوش
مقالي في موقعي اخبار الاردن واحداث اليوم - الصورة منقولة 



يزخر التاريخ بأحداث ظن صانعوها أنهم إنتصروا نصراً مبيناً وأن التاريخ سوف يخلدهم لحسن صنيعهم  ولم يدر في خلد هؤلاء أنهم  أهانوا وإستفزوا من ظنوا واهمين أنهم هُزموا فنهضوا , النصر الحقيقي يتحقق بضمان العدل للمهزوم  قبل المنتصر ؛ القادة العظام  وصناع  التاريخ يعلمون أن القوة  لا تُلغي حقاً فالأيام دول تتقلب فيها الأدوار ضعفاً وقوةً .
حين سحقت جيوش الحلفاء ألمانيا في الحرب العالمية الأولى تُوج النصر الفرنسي  داخل  عربة طعام في قطار المارشال الفرنسي   فرديناند فوش , تلك العربة التي حُولت لتكون مكتباً  جلس فيه السياسي الألماني إيزبيرخ  ذليلا ً مهزوماً  في حضرة المارشال فوش ليوقع  أوراق معاهدة مذلة لم يكلف السياسي الألماني نفسه عناء مناقشة بنودها , لأجل هذا  علق المارشال الفرنسي ساخرا متعجرفا : أنت وقعتها دون نقاش أو تفاوض ؛ فرد إيزبيرخ رداً صاعقاً : سيدي المارشال حينما تنهض المانيا  سيمزق قائدها هذه المعاهدة دون أن يناقش أياً من بنودها ؛ فالسياسي الألماني مثقف ويعرف نظرية الحد الاوسط المجردة لأرسطو التي تُعرّف الحق على أنه مصلحة القوي فقط .
بعدها جاء هتلر ونهض بألمانيا و إحتل كل فرنسا بما فيها عربة فرديناند فوش ووقعت فرنسا بنود إستسلامها في نفس عربة القطار وجلس هتلر على ذات الكرسي الذي جلس عليه  مرشال فرنسا فوش وكانت تصرفاته وسلوكه تتسم بالتطرف الذي أيده شعبه رغبة منه  بالإنتقام ممن  أهانوا بلدهم وقادتهم ورموزهم ,هتلر كان مثقفا أيضاً  فعلم  يقيناً أن فرنسا سوف تنهض  مجدداً وتُجبر ألمانياً على الجلوس في ذات العربة  لذا نقلها الى برلين ولاحقاً أحرقتها قواته.
نعم ترامب له الحق بقول ما يشاء وخربشت توقيعه على الأوراق التى يشاء وله حرية الإعتقاد والرأي , لكنه لن يقدر أن يجبر احداً على تأييده  وتبني رؤيته ومنهجه  بغمزة عينه  التي جذبت بنات الهوى أللائي بعن أجسادهن بدولاراته و ترامب لازال يراهن  أن سحر غمزة عينه و دولارات حلفائه سوف تجذب شرفاء العرب ليبيعوا ليس فقط شرفهن بل أرضهم ومقدرات شعوبهم كي يجلسوا معه في عربة القطار بذل وهوان  .
   أما نحن  فنقول لك أنت لست صانعاً للتاريخ , لقد مُنحت دور كمبرس لم تتقنه  مطلقاً  بل  أرهقت المُلقن والمخرج  في مسرحية هزلية كررها التاريخ  كثيراً  ونعرف جيداً من هم  أبطالها , فأنت تجهل  بنود خطتك المزعومة للسلام  و مفرداتها وما تعنيه جغرافيتها   و عباراتها فتركت  خشبة المسرح لأحد المُلقنيين , نعم  فشلت تمثيلاً بمسرح سياسي ساخر خلطت بينه وبين مهارتك في برنامجك القديم (the Apprentice)  إلا أنه لن يسمح لك بترديد   عبارتك الشهيرة  you are Fired )) فهناك الكثيرون سوف يُرددونها في وجهك داخل بلدك وخارجها  بعد أن ينتهى دورك في خدمة مشروع الباطل والظلام .
من الأجدى لك أن تقرأ التاريخ وتثقف نفسك كي ترفض  الوقوف  كالنادل في عربة فرديناند فوش التي  كانت حافزاً لمتطرف لنيل  تأييد شعبه حتى يُمزّق  إتفاقية ظالمة  ويخوض حرباً  عالمية ثانية  حصدت أرواح عشرات الملايين  و ما  تقوم به الآن لن يجلب السلام بل يعزز  منطق القوة والمغالاة بإذلال , وإضعاف فئة من العرب أمنت بالسلام  ولم تكترث لرأي بني جلدتها حينما قالوا لها من يبخل يذبح بقرة قربانا للعدالة لن يعطي غوراً و مياهاً وسهولا ًوهضاباً  بل  خلوا بيننا  وبينهم  نُقطّع نخلهم  فيُخرّبوا بيوتهم بأيديهم في أول الحشر  .
القضية ليست قضية حكومات وخياراتها ؛ إنها  يا سيد ترامب كرامة  وشرف أمة  تكالب عليها  أسيادك ومن قدمك لتكون عقيد قومك  لتعالجنا من مخدر يسمى فلسطين وتوجه مقدراتنا في حروب  الإرهاب  لتصرخ فينا حان وقت البتر  , شكرا  لأنك  لم تخدعنا بل جعلتنا  نعرف حجمنا الحقيقي في ميزان الأمم والشعوب  وجعلت رجولتنا و كرامتنا  تخضع للتقييم  وجلدتنا حتى أصبحنا نخجل من أسمائنا وإرث أجدادنا  وعلمتنا كيف  نقف صفا واحداً في زمن البتر العظيم , كي نفكر كيف ستعاقب شكسبير عن جرم  تاجر البندقية ونصلي جماعة  مستقبلين شرفة شايلوك ونكتب مديح الشعر في إبن العلقمي و أبورغال وندمر بمعول  الحداثة  محرابا للأقصى صنعه النجار إفكاٌ  في زقاق حارات العرب المنسية  محرضاً به الصغار على التحرير.     
   
    
  

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سي السيد و معركة ميلانو

سي السيد و معركة ميلانو مقالي في موقعي اخبار الاردن واحداث اليوم - الصورة منقولة  عذرا، فقبل البدء وكي لا أُتَّهم بالتحامل ،   أ نا لا أتكلم عن كل الرجال ولكن أقصد شريحة معينة إ سترعت إ هتمامي و إ ستفزت قيم الشرقي   فكان لا بد لي من ال إ شارة إليها من باب الحرص لا النقد. لاشك بأنَّ الثقافة المجتمعية والمعيشية تتغير مع متطلبات العصر، لكن لكل أُمَّة عادات ومبادئ يجب أ ن لا تُهدم بمعول الحداثة ولا تُداس بحذاء من يدًّعي محاربة التخلف.   أ ثناء معركة الفجر بين النور و أ خر بُقع الظلام في شارع (كورسو بينس آ يرس) في مدينة (ميلانو) ، ر أ يت إمرأة إ فرنجية في العقد الرابع من عمرها   تخوض معركة طاحنة غير معركة النور والظلام بل معركة لقمة العيش   كموظفه فها هي بدأت عملها بمعالجة   إ نسداد (منهل) للصرف الصحي ، ولا أ علم لماذا تذكرت وأنا أنظر بدهشة إ ليها   رائعة الكاتب المبدع   نجيب محفوظ   بين القصرين .   و أ عتقد جازما أن أغلب الرجال الذين شاهدوا أ و تصفحوا رواية نجيب محفوظ الشهيرة   ، أُعجبوا بشخصية سي السيد و أ...

صناعة الرأي العام

صناعة الرأي العام مقالي في موقعي اخبار الاردن واحداث اليوم - الصورة منقولة  لا يكاد يخلو مقال أ و إحصائية من كلمة الرأي العام فقد صارت مصطلحاً   يُستخدم لإثبات صواب قول ما   وسلاحاً   يهدد به   بعض الساسة أو المؤسسات ويستعينون   به   لشرعنة قانون أو توجه جديد وحتى لأجل   إجراء تصحيح يجدون   فيه علاجاً لبعض المستجدات التي طرأت على المجتمعات والدول . الرأي العام له مرجعياته وأسسه التي تتخذ منها الجماعات والشعوب ميزاناً لقبول أو رفض ما يطرأ وقد تكون هذه المرجعيات شرائع سماوية أ و دساتير , وأحيانا تكون ثقتها بالفرد كالسياسي أ و رجل الدين أ و أصحاب ال إ ختصاص كالأطباء والمهندسين والعلماء   فيكون رأي هؤلاء   الفيصل في صناعة الرأي العام .   الفرد فطريا يُكّون رأيه الخاص ؛ لكن رأيه يخضع   للتغيير والتعديل عند تواصله   مع الجماعات   فُيطرح   رأيه   للمقارنة   مع حجج وبراهين وإعتبارات يُؤمن بها الآخرون , وبعد هذا التواصل إما أن يزداد تمسكه برأيه فتتعزز ثقته بالتوافق الجمعي أ و يتخذ موقفاً ج...